معمر عطوي
لا يمكن وصف الحالة التي يعيشها الإنسان حين يجلس مستمعاً ومستمتعاً
بأهم مقطوعات موسيقية عالمية، في هذه اللحظات من الظلم المُقارنة بين الفن الراقي
والخطاب السياسي أو الديني.
مناسبة هذه الكلمات أن فرصة جميلة عاشها كاتب هذه السطور يوم الجمعة
الماضي (25 كانون الاول 2013) في فضاء الموسيقى الكلاسيكية. ففي سياق برنامج موسمي
تقيمه الأوركسترا الوطنية اللبنانية استضافت كنيسة القديس يوسف اليسوعية في بيروت،
حفلة موسيقية كلاسيكية تضمنت ثلاث مقطوعات هامة (اثنان لفولفغانغ أماديوس موتسارت
1756-1791، وواحدة لودفيغ فون بيتهوفن 1770-1827).
الموسيقى بحد ذاتها، لغة عالمية، فكيف إذا كانت من انتاج مبدعين عالميين
وصلوا في عبقريتهم إلى مصاف الخلق؟ هذا ما يشعر به المرء حين يرتاد أمسيات موسيقية
من هذا الوزن وبهذه القيمة الفنية، فيشعر أنه في محراب صلاة. بل لعلها تلك الموسيقى
التي تنقلنا من المكان إلى رحاب لا يمكن تحديد طبيعته.
لقد أبدع لبنان البعلبكي في قيادة الأوركسترا الوطنية، التي عزفت
مقطوعتين لموتسارت بعنوان «THE MARRIAGE OF FIGARO» و «SINFONIA CONCERTANTE FOR
VIOLIN Viola and Orchestra »، والسمفونية الأولى لبيتهوفن. فيما تجلى إبداع جميع
أفراد الفرقة خصوصاً الرومانيتان سورين هوليا (فيولون- كمان) وكاتالينا أندريا
روبا (فيولا- كمان متوسط). أما القاعة الجميلة للمكان والفضاء المناسب لتوزيع
موسيقي متناغم ومنسجم فهو عنصر مهم من عناصر المشهد.
يخرج المتابع عن خشوعه واستغراقه في الحالة للتفكير في العالم الخارجي،
الذي يصبح وفق النظرة الصوفية ذلك العالم الملوث بالخطايا والآثام. تفكير يقود إلى
تساؤل مشروع: فيما لو توجّه اللبنانيون إلى الموسيقى الكلاسيكية بكثافة ونهلوا من
معينها صفاءً وحباً وجمالاً، هل سيستسيغون لغة السياسيين المهترئة التي تطلع عليهم
صباحاً مساءً كأنها كابوس النهار الطويل؟
وفيما لو شعر اللبنانيون بهذه الحلولية السكونية التي تجعلهم يدورون في
عالم السمفونية المُتعالي المُفارق على حد قول الفيلسوف الألماني آمانويل كانط،
ويتناغمون مع السوناتا متذوقين كل صوت آلة من الآلات المُشاركة في العزف، هل سيظل
هؤلاء ينتظرون برامج التوك شو السياسية الفارغة وحلقات التنجيم والبخت وضرب المندل
على الشاشات الصغيرة التي تشكّل قمة السماجة وثقل الدم؟
الموسيقى هي ليست فقط لغة مشتركة بين الأمم، بل هي الحالة التي ينبغي
على كل إنسان ان يرتقي إليها كحالة تعويض عن حاجته اللاشعورية لترهات الميتافيزيقا
وما يمكن لعناوينها العقائدية أن تصنعه من شروخات وانقسامات ومعسكرات بين شعب واحد
يعيش على أرض واحدة. الموسيقى هي الدين الذي ينبغي على البشر أن يتبعوه بشغف
فيرتقوا إلى أعلى عليين أو قل «سدرة المنتهى».
"برس نت" 2013/01/27
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق