معمر عطوي
أصبح التحذير من حرب أهلية في لبنان أمر متأخرعن اوانه كثيراً، في ظل
فوضى انتشار السلاح وقدرة أي مجموعة مسلّحة على اختراق رتابة الهدوء
بافتعال معركة في طرابلس أو في بيروت أو مخيمات صيدا، أو خطف مواطن بهدف
الحصول على فدية أو قتل مواطن انتقاماً سياسياً او عائلياً الخ.
فالخضّات
الأمنية التي يعيشها المواطن اللبناني بين وقت وآخر، والتي تأتيه على حين
غفلة من أمره، إذ سرعان ما يُفاجأ بقطع طريق بعجلات السيارات المشتعلة
أوحاويات النفايات، أو باعتداءات تقوم بها مجموعات من الفتيان الموجَّهين
من عصابات أكبر يغطيها رجال السياسة بهدف زرع الفتنة هنا أو الفوضى هناك،
بمعنى اشعال حرائق أمنية لحسابات سياسية.
كل ذلك يؤكد أن لبنان ليس على
أعتاب حرب أهلية، إنما هو في أتونها، حيث يفتقد المواطن إلى ضمانة مواصلة
رحلته بين بيته ومكان عمله، كما يفتقد ضمانة خروج أطفاله للعب حتى في فناء
الدار خشية خطفهم على أيدي عصابة تسعى الى تجميع الأموال ولو على حساب
الفقراء من الناس.
بالفعل لا يمكن الحديث عن أمن في بلد الأرز وهو مفتوح من
شماله إلى جنوبه أمام عمليات ارهابية تُدار من مراكز استخبارات اقليمية
ودولية. بلد مُشرّع أمام مسلّحين يقيمون الحواجز ويفجّرون ويعتقلون ويعتدون
من دون أي محاسبة أو ملاحقة؛ منهم من يتذرع بالدفاع عن المقاومة من سوريا
الى باب التبانة مروراً بالملعب البلدي في بيروت، ومنهم من يحتج بدعم
“الثورة” ضد نظام جائر في سوريا فيلجأ الى تحويل المعركة من سياسية انسانية
الى مذهبية الطابع.
الأنكى من كل ذلك، أن الشعب اللبناني هو من يحرق وطنه
بيديه استسلاماً لخطاب “قائد” سياسي أو زعيم طائفي، أو تماهياً مع حملات
ترويجية لإشعال الفتنة بحجة التمييز بين “النحن” و”الهم” على مستوى التوزيع
الطائفي لا الطبقي.
لبنان اليوم في قلب العاصفة وتطورات القتال في سوريا
سترتدّ سلباً على جارتها الغربية، إذ أن ذريعة مقاتلة “الإرهاب التكفيري”
في سوريا بأنه لحماية لبنان لن تصمد طويلاً حين نعلم أن التدخل اللبناني في
الشأن السوري ومخالفة إعلان بعبدا هو الذي سيجلب الدب الى كرمنا وليس
العكس. الشعب اللبناني يعيش إما مهاجراً، أو مرهقاً وغير قادر على التفكير
واتخاذ القرار، أو هو الدينمو المحرك للفتن وصناعة الفوضى تنفيذاً لأوامر
الزعيم والقائد وتماهياً كلياً مع روح الجماعة بخيرها وشرّها.
والفقراء هم
الوقود الذي يشعل فتيل التفجير، وهم الضحية التي تسقط على مذبح العوز
والفقر والارتهان لسياسيين باعوا ضميرهم وكرامة المواطن ليحظوا بفتات على
موائد اللاعبين الكبار.
ليس هناك أغبى من شعب لا يزال ينتمي الى أحزاب
سياسية مجرّبة في استغلالها لرغيف خبزه وكرامته، أحزاب لها باع طويل في بيع
شعبها على موائد القمار الإقليمية والدولية وتهميش حقوقه الاجتماعية
والصحية والتربوية. أحزاب نجحت في تحويل مواطنها الى مجرد رقم في صناديق
الانتخابات لا يجد سعادته سوى في نرجيلة تنفخ سمومها على الناس وهاتف محمول
للتسلية. إننا نعيش في قمة السخافة بالفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق