معمر عطوي
في فيلا فارهة على جزيرة أوروبية تقع على البحر الابيض المتوسط، وفي غرفة
كبيرة نظيفة من كل وسائل الاتصال الحديث والتجسس والكاميرات، تُحاك الخطط
والمؤامرات التي تعصف بالمنطقة اليوم.
في غرفة عابقة بدخان السيجار الكوبي ورائحة السلمون المدخّن المستورد من
بحر الشمال الأوروبي والكافيار الفارسي، وعلى سجادة عجمية محبوكة بأنامل
ذهبية تشبه خريطة الشرق الأوسط، وايقاع أغنية اميركية تعيد الذاكرة الى
حروب المستعمرين «الطهرانيين» ضد الهنود الحمر في القارة الأميركية يجلس
أشخاص لا يتعدّى عددهم أصابع اليد الواحدة يرسمون خطط التفجيرات الطائفية
والاشتباكات وطبيعة الاصطفافات السياسية المطلوبة في الشرق الأوسط.
يطرقون كؤوس النبيذ الفرنسي والويسكي الاوسكتلندي والفودكا الروسي.
ويناقشون بهدوء ىخر أوراق الشرق الأوسط على ضوء أزمات سوريا ومصر. هم
يديرون اللعبة من غرفة فارهة والأغبياء ينفذون باسم الله والطائفة والمذهب
والحزب.
لا يعرفو هؤلاء الذين يقاتلون ومن خلفهم قاداتهم الصغار وربما بعض من
وراءهم من الدول التي تتصارع على الجبنة في المنطقة، أن «البنائين الأحرار»
هم من يحركّهم ويقودهم، وأن من يدفع لهم المال ويؤمن لهم الذخيرة والسلاح؛
سواء كانوا قيادات سياسية او أمنية من دول عربية أو غسلامية أو اوروبية أو
أفريقية، هم من «حراس الهيكل». مندوبو المحافل الكبرى وخصوصا محفل شرق
كنعان، حاضرون لرسم الخريطة الجديدة، للعداوات والصداقات، لتوظيف الدين
ولتوظيف القومية، ولتوظيف حتى العائلية في صراعات على البقاء تتجسّد
بتفجيرات وخطف وقتل على الهوية واشتباكات مُسلّحة وعمليات اغتصاب ومجازر
جماعية وهجمات كيميائية وفساد اداري ونشاطات مافيوية.
زعماء المحافل لهم أيدي تشبه مجسّات الأخطبوط، هم موجودون في دوائر
القرار سواء في دول تُسمى دول الممانعة أو في دول توصف بالاعتدال. موجودون
في أحزاب اسلامية سنيّة واخرى شيعية، أحزاب معتدلة وأخرى متشددة، في سفارات
وبعثات دبلوماسية وقيادات الجيوش والشرطة.
لا أؤمن بنظرية المؤامرة، بل أؤمن أن «دود الخل منه وفيه» وأن حكوماتنا
الاستبدادية هم من يجلب الدب الى كرمه، وهم من يعطي ذريعة للأجنبي للتدخل
في بلاده؛ هكذا فعل صدام حسين ومن بعده معمر القذافي وعلي عبد الله صالح
وهكذا يفعل اليوم بشار الأسد.
لكن ما لا يمكن نكرانه هو وجود هؤلاء «الإخوة البناؤون» الذين يحكمون
العالم من فيلا فخمة في جزيرة تطل على الأوسط، فيهم أحد اكبر تجار النفط
والغاز والعاملين بصناعتها، وبينهم أحد أكبر ضباط الارتباط الأمني الذي
ينسق بين أجهزة متخاصمة رسمياً مثل اسرائيل وسوريا وايران والولايات
المتحدة كما يجتمع معهم كبير تجار السلاح في العالم وكبير سمساري المشاريع
العقارية وشركات التأمين والمصارف.
هؤلاء هم من يوعز بارسال «الجهاديين» الى سوريا وهم من يقف خلف توريط حزب
الله وحماس في الأزمة السورية. وهم من يشوه سمعة الثورات العربية عبر
اختراقها بأجهزة تابعة لهم من أجل اعدام كل ثقة في اي عمل مقاوم او ثوري أو
تحرري من شأنه أن يعيدنا الى عصر التنوير والنهضة ويخلّصنا من الظلم
وطبائع الاستبداد في المنطقة. اعقلوا وتوكلوا ولا تتهموا بعضكم يا أغبياء
فالقاتل كما سواء في صيدا او الضاحية او طرابلس او الاشرفية تقولون انه
واحد، لكن «عتاة» اهل السنّة يؤمنون أن القاتل شيعياً، و«عتاة» اهل الشيعة
يظنون أن القاتل سنياً. لكن لا أحد يسمع انشودة الموت المُنسابة من تلك
الغرفة التي باتت تتحكم بالعالم.
(برس نت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق