معمر عطوي
بعيداً عن كل المآسي التي لحقت بأهل قطاع غزة وفلسطين نتيجة العدوان
الصهيوني الغادر، لا يمكن إغفال ايجابيات حصلت على صعيد تقويم الأوضاع المحلية
والإقليمية والدولية، تصب في مصلحة وضع الأمور في نصابها.
وإذا كان هذا الوضع ينطبق عليه قول “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فإن هذه
الفوائد لا تدخل أبداً في باب تمني استمرار المأساة ولا هي محتفية بالدم الفلسطيني
الطاهر الذي يسقط غزيراً على أرض غزة اليوم. هي مجرد تطورات تجعل مشهد الصراع
العربي الاسرائيلي أوضح.
على الصعيد المحلي، تثبت صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة أنها قادرة
على زرع الخوف في قلوب الاسرائيليين كما هي طائرات العدو التي تزرع الخوف في قلوبنا
منذ عقود طويلة. وبالتالي تصبح معادلة الخوف والخوف المُضاد معادلة قائمة في الواقع
ومجدية.
أما نجاح سقوط الصواريخ في أماكن حساسة وفي قلب تل الربيع (تل أبيب)
وعاصمة فلسطين القدس، فإنه يثبت أن القبة الحديدية التي بنتها اسرائيل والتي أصبحت
تضم خمس بطاريات صواريخ، تشوبها العديد من نقاط الضعف وهي غير قادة على حماية
الاسرائيليين جميعاً.
أظهرت المشاركة الواسعة للفصائل الفلسطينية في المعركة ضد العدوان، أن
غزة لا يمكن اختصارها بحركة حماس، إنما هناك الجهاد الاسلامي وفتح والجبهة الشعبية
والديموقراطية وغيرهم والجميع يقاومون يداً بيد للحد من خسائر العدوان.
إقليمياً، بدا الفتور الذي اعترى العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية
حماس من جهة وإيران وسوريا وحزب الله من جهة، على خلفية الموقف السياسي لحماس من
النظام السوري، أنه لم يترك أي أثر على علاقة المقاومة الميدانية في غزة (بكل
فصائلها بمن فيها حماس) مع محور “الممانعة”، وبالتالي ظلت عمليات إمداد المقاومة في
غزة بالصواريخ مستمرة حتى الأيام الأخيرة.
أثبتت معركة الصواريخ في القطاع أن كل من يطالب بسحب سلاح حزب الله في
لبنان إنما يخدم الصهاينة، ويسعى الى كشف لبنان أمام العدوان. لذلك حوّل البعض
مطالبهم بسحب سلاح المقاومة الى مطلب تشكيل مقاومة أخرى لقتال اسرائيل، مستغلين
ألأوضاع في غزة لخلط الأوراق على الساحة اللبنانية.
كذلك، أكدت هذه المعركة أن ما أنتجه الربيع العربي من سلطة إسلامية في
القاهرة تعتبر رديفة لحركة حماس على مستوى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لم
يغيّر كثيراً من سياسات هذه الدولة تجاه اتفاقية كامب ديفيد. ربما كان فتح المعبر
في رفح هو الايجابية الوحيدة، أما ما رافقه من زيارات وتصريحات رسمية من القاهرة
وتونس فهو يصب في امتصاص الغضب الشعبي ليس إلاّ. ولن يقوم الإخوان المسلمون
“الرسميون” بأي خطوة مجيدة طالما هم أتوا الى السلطة بالتفاهم مع البيت الأبيض على
خطوط حمراء معينة لم ولن يستطيعوا تجاوزها. لذلك كان دور المسؤولين في القاهرة
وتونس حث حماس على القبول بهدنة وليس إعلان الاستعداد لمدها بالدعم العسكري
اللوجستي أو ما شابه.
اقليمياً أيضاً، واصلت معركة غزة سيناريو تعرية الحكام العرب الذين
تحمّسوا الى آخر الخط بدعم المعارضة السورية وتسليحها، فيما وقف كبيرهم في السعودية
داعياً الى التعقل، وهو الذي لم يتعقّل لا في اليمن مع الحوثيين ولا في البحرين مع
الشيعة ولا في سوريا مع النظام الذي يفتك بشعبه يومياً.
والحديث عن سوريا هنا لا يعني أن الشعب السوري هو أقل من الشعب
الفلسطيني، إنما هو مجرد تساؤل: لماذا هذا الحماس الكبير لتخريب سوريا تحت شعار
الدفاع عن الشعب السوري، والسكوت عن جرائم اسرائيل التي تتواصل منذ اكثر من نصف
قرن؟
على الصعيد الدولي، ظهر العهر السياسي بشكل أكثر سفوراً، حيث لا تزال
هذه الدول التي تتباكى على ضحايا الربيع العربي، مستعدة للاستمرار بدعم إسرائيل
وتحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن كل هذه الجرائم، بينما كانت تسعى بكل قوة
لتسليح الثورات العربية خدمة لمشاريعها ولتفادي الاحراج في موضوع دعمها
للديموقراطية.
نعم دماء الأبرياء في غزة عزيزة، وأهل غزة أعزاء، لكن هذا لا يعني أن المعركة مع
العدو خاسرة دائماً. فعلى ما يبدو أنهم أصبحوا يخافون ويألمون ويموتون ويحصون
خسائرهم وأضرارهم مثلنا تماماً، وليذهب النظام العربي الرسمي الى الجحيم.
"برس نت" 17 تشرين الثاني 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق