تحتضن «آيا صوفيا»... روعة الفنون الإسلاميّة المسيحيّة
لم يخطئ الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين حين وصف مدينة اسطنبول التركية بقوله «هناك، الإله، الإنسان، الطبيعة، والفن، كلها اجتمعت لتصنع هذه المدينة الرائعة، فعلاً إنها تستحق أن ترى»اسطنبول ــ معمر عطوي
حين تصل إلى مشارف اسطنبول، تستقبلك بهضباتها المزينة بأبنية شامخة هي عبارة عن مساجد وقصور وقلاع وفنادق تدرك عندها أنك في ربوع القسطنطينية التي يعود تاريخها إلى عام 680 قبل الميلاد، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية تاريخياً، التي اتخذت لسم «إسلامبول» و«الأستانة» بعد سيطرة العثمانيين عليها.لعلّ ما يميّز هذه المدينة الرائعة أنها جنة لا تعوزها المياه ولا الخضرة ولا وجهها الحسن. جنة حقيقية يميّزها موقعها المشرف على مضيق البوسفور. فهي إحدى المدن الضخمة القليلة في العالم التي تتقاسمها قارّتا أوروبا وآسيا، لذلك بات الجسر المعلّق الذي يربط بين الشطرين بمثابة همزة الوصل الاستراتيجية بين الشرق والغرب.خلال رحلة بحرية في مضيق البوسفور قد تستغرق حوالى ساعتين ذهاباً وإياباً، يمكن رؤية كمّ هائل ومتنوع من الأبنية التاريخية والحديثة، من قصور وقلاع ومتاحف ومنتجعات سياحية ومطاعم، تتلاصق جنباً إلى جنب على ضفتي المضيق، لا سيما على الضفة الأوروبية. المفارقة هنا أن اهتمامات بعض السيّاح قد تجاوزت البعد الاستكشافي لحضارة البلد، فبلغت من التسطيح مستوى البحث عن قصر «مهنّد»، بطل أحد المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية، أو القصر الذي مُثّل فيه مسلسل «نور»، فيما دأب البعض الآخر على ممارسة هوايته في التسوّق غير آبه بزيارة معلم تاريخي مثل متحف «آيا صوفيا».الزائر هنا يحتار من أين يبدأ، هل من وسط المدينة حيث شارع الاستقلال الشهير، أم من ميدان سباق الخيل «هيبودرووم» الذي تحوّل إلى حديقة خلف مسجد السلطان أحمد أو ما يعرف بـ«المسجد الأزرق» المقابل لمتحف آيا صوفيا. أم من متحف توب كابي الذي يقصده بعض السيّاح بهدف رؤية محتوياته، لا سيما بعض متعلقّات النبي محمد والخلفاء المسلمين؟أمّا «توب كابي»، أي الباب العالي، فهو أحد أهم القصور التاريخية، حيث كان مركز الخلافة العثمانية. اتخذه السلطان محمد الفاتح بعد دخوله القسطنطينية مقراً له لإدارة أمور الدولة. وتبلغ مساحته اليوم نحو 700 ألف متر مربع، يحيط به 27 برجاً وأسوار بحرية وبريّة.بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، ترك آخر السلاطين العثمانيين وحيد الدين وعائلته وسائر آل عثمان، القصر الذي تحوّل إلى متحف في العام التالي، حيث يزوره سنوياً أكثر من مليوني سائح ويضم نحو 65 ألف قطعة أثرية، وفيه أكبر قطعة ألماس في العالم (كانت بالأساس ملكاً لوالدة نابليون بونابرت).والمسجد الأزرق، الذي يمثّل إحدى التحف الرائعة بإطلالتها على البوسفور، كان قد أنشئ في عهد السلطان أحمد الأول الذي استمر حكمه بين عامي 1603 و1617، ويُعدّ من أهم مساجد اسطنبول وأجملها، يليه جامع السليمانية وجامع الفاتح وجامع بايزيد وجامع السلطان سليم.من الجهة الشمالية للمسجد الأزرق يقودك الطريق المزيّن بالورود والأشجار ونوافير المياه إلى متحف آيا صوفيا الذي يشدّك إليه من بعيد بعظمة إطلالته ذات الطابعين الإسلامي ـــ المسيحي.وكنيسة آيا صوفيا هي من تراث بيزنطيا، سيطر عليها العثمانيون وحوّلوها إلى مسجد وأضافوا إليها أربع مآذن؛ وعمدوا خلال فترة حكمهم إلى تغطية بعض رسوم المسيح وتلاميذه من دون إزالتها.تتجلى في آيا صوفيا روعة الجمال المعماري الذي يمزج بين الفنون البيزنطية المسيحية والنقوش الإسلامية، وخصوصاً بعدما حُوّل في عام 1924 على يد النظام العلماني إلى متحف.ولا يمكن تجاهل، طبعاً، جامع السليمانية الذي يُعدّ أكبر مسجد في اسطنبول، وهو مثال للأثر المعماري الآخّاذ. مساحته سبعة وثلاثين دونماً. وصرف في بنائه 996300 قطعة ذهبية. هذا المسجد الذي يعدّ أيضاً من المعالم السياحية المهمة، يملك دلالات رمزية، إذ تشير مآذنه الأربع إلى أن السلطان سليمان القانوني هو الحاكم الرابع في اسطنبول. أما الشرفات العشر الموجودة في كل مئذنة فتشير إلى أن سليمان القانوني هو السلطان العاشر في الدولة.لقد عرفت الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر تطوّراً وتقدماً في جميع مناحي الحياة، حين حكم السلطان سليمان القانوني الإمبراطوريّة لمدة 47 عاماً، وبذلك تكون فترة حكمه هي الأطول من بين سلاطين الدولة العثمانية الـ136.ثمة قصور أخرى مثل قصر السلاطين «ضولمة باهشي»، الذي يتميز بمحتوياته الرائعة وإطلالته الجميلة على البوسفور.لكن الأهم من كل ذلك هو الرحلة البحرية التي تشمل جزر الأميرات، في بحر إيجه والبحر المتوسط. الزيارة تشمل فقط أربع جزر مأهولة، أما الثلاث الباقية فتُستخدم لأغراض عسكرية. يمكن الوصول إلى هذه الجزر عبر بحر مرمرة، حيث ينتهي بك المطاف في «بيوك آضا» الشهيرة وهي الجزيرة الأكبر والأهم سياحياً، لما تتمتع به من جمال الطبيعة وترتيب المشهد، حيث تستطيع من خلال جولة على الدراجة الهوائية أو بواسطة عربة الخيل في محيط الجزيرة البالغ حوالى 12 كيلومتراً، أن تكتشف معالمها ورونقها من دون صخب أو تلوّث، لعدم وجود السيارات عليها.
عاصمة السلاطين التي دخلت عهد العثمانيين على يد السلطان محمد الثاني «الفاتح» في 24 أيار 1453، بعدما كانت في عهدة الإمبراطور قسطنطين البيزنطي. في الأصل، أنشئت على أيدي اليونانيين وسميت «بيزنطيوم». وأصبحت العاصمة الشرقية للإمبراطورية الرومانية عام 324 م، فيما أعاد قسطنطين تسميتها بروما الجديدة «نوفا روم»، ولكن هذا الاسم فشل في الحصول على الشعبية وسرعان ما أصبحت المدينة تسمى «مدينة قسطنطين» أو «القسطنطينية».
الاخبار: ١ أيلول ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق