لن تكون وفاة زعيم كوريا الشمالية، كيم يونغ إيل، لحظة عابرة في منطقة تقع منذ عام 1950 في عين العاصفة. فالنظام النووي الستاليني الذي خاض بين عامي 1950 و1953 حرباً دموية مع أشقائه في الشطر الجنوبي، الذي تدعمه الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي، لا يزال هدفاً عصيّاً بالنسبة إلى واشنطن، رغم كل ما يُقال عن ضعف الخليفة كيم يونغ أون
معمر عطوي
طوت كوريا الشمالية، أمس، صفحة «الزعيم العزيز»، كيم يونغ إيل، لتكمل السير في قطار نجله كيم يونغ أون، الذي بويع زعيماً جديداً للنظام الشيوعي. السلطات الكورية أعلنت أمس نبأ وفاة «الزعيم» بأزمة قلبية داخل قطاره، خلال أحد تنقلاته الميدانية، مشيرة إلى أنه «توفي نتيجة إرهاق فكري وجسدي كبير» صباح السبت الماضي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية. لكن معاناة الزعيم الكوري الراحل مع الأمراض بدأت عملياً منذ سنوات، وكان أخطرها في عام 2008 حين تعرّض لجلطة دماغية ألزمته سرير المستشفى لأسابيع طويلة. وهذا ما دفعه إلى تأهيل نجله الأصغر كيم يونغ أون من أجل تسلّم مقاليد الحكم، فتمت ترقيته العام الماضي الى رتبة عسكرية عالية وتسليمه بعض المسؤوليات في السلطة والحزب الشيوعي الحاكم، وبدأ التعامل مع النجل الأصغر كخليفة حقيقي.
«القائد العزيز»، كما يحب مواطنوه أن يصفوه، عمل خلال السنوات الأخيرة بجهد كبير، وسط حصار دولي ومفاوضات شاقة حول ملف بلاده النووي. ورغم أن حكم كوريا الشمالية وراثي يقوم على تأليه الشخص وإحكام القبضة الحديدية على مواطنيه، يصرّ قادة البلاد على هوية النظام الشيوعي أو كما يسمّونها «الزوتشية»، وهي العقيدة الرسمية للنظام الستاليني، تجمع بين الشيوعية والاكتفاء الذاتي، وضعها مؤسس الجمهورية الشعبية لكوريا الديموقراطية (الشمالية) كيم إيل تسونغ، والد الزعيم الراحل.
لقد تعامل الكوريون الشماليون بطريقة شبه دينية أو وثنية في تأليه تسونغ، وجعلوه «الزعيم المقدس»، وتعاملوا بنفس الذهنية مع الراحل يونغ، وهو ما سهلته الدعاية القوية في الداخل والانقطاع التام مع الخارج ودعم الجيش. ما يؤكد هذه الذهنية هو تحديد 28 كانون الأول الجاري موعداً لتشييعه في بيونغ يانغ، أي بعد نحو 10 أيام من وفاته، فيما أعلنت السلطات الحداد من 17 إلى 29 كانون الأول في البلاد وتأسست أمس لجنة وطنية للجنازة بقيادة ابنه أون، وسيوضع جثمان الزعيم في قصر كومسوسان التذكاري. الأنكى من ذلك أن شائعات يتداولها الكوريون تفيد بأنه حين ولد في كوخ خشبي، ظهر قوس قزح وطلعت نجمة ساطعة في السماء. كما يُعدّ الاحتفال بعيد ميلاده من أهم الأعياد الوطنية في كوريا الشمالية.
ورغم المجاعة التي حصدت آلاف البشر بسبب سياسة الحصار الدولي والتضييق، ووقف دعم روسيا في أواخر التسعينيات، ظل يونغ «الزعيم الغالي» بنظر العديد من أفراد شعبه، وواصل برنامجه لصنع أسلحة نووية، مجرياً في هذا السياق تجربتين في تشرين الأول 2006 وأيار 2009. كان يونغ يجيد المناورة في المفاوضات الدولية التي بدأت في 2003 لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن طموحاتها النووية، التي استؤنفت في آب الماضي بلا شروط، بعد أكثر من عامين من تجميدها. لقد أدرك كيم أن السلاح النووي وسيلة مهمة لمقايضة الغرب بمساعدات إنسانية وغذائية توالت على الدولة الشيوعية منذ سنوات، على أن تقوم الأخيرة بالتخلص من ترسانتها الباليستية. ويبدو أن ثمة تضارباً في المعلومات عن مكان ولادة كيم، الذي توفي عن 69 عاماً، ففيما تفيد بعض المعلومات بأنه ولد في خباروفسك في الاتحاد السوفياتي السابق، حيث أطلق والده من معسكر تدريب حركة المقاومة ضد الاحتلال الياباني في عام 1945، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية تقول إنه ولد في جبل «بايكدو» الذي تحتله اليابان.
وفي ما يتعلق بمسيرته السياسية والحزبية، ارتقى الشاب بسرعة سلم القيادة في حزب العمال الحاكم. وكان يهتم أساساً بالدعاية، وذلك بعد نيله إجازة جامعية في الاقتصاد السياسي عام 1964 من الجامعة التي تحمل اسم والده. وعين في عام 1991، قائداً أعلى للجيش الكوري، وهي خطوة اعتبرها المحللون رداً على أي محاولة انقلاب قد تحدث بعد وفاة تسونغ. تولى رسمياً مقاليد الحكم بعد والده في 1994. وجمع الراحل عدة مسؤوليات، منها الأمين العام لحزب العمال الكوري ورئيس لجنة الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة الكورية، الى جانب الزعيم الأعلى لجمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية.
على الجانب الآخر من شبه الجزيرة الكورية، كان الزعيم الستاليني مادة للتهكم في الإعلام الكوري الجنوبي الذي طالما أظهره كرجل يهتم باللهو، فيما كان يركز على ملابسه وانتعاله الأحذية الرياضية «لتظهر قامته أطول». كما تحدثت وسائل الإعلام عن ولعه الشديد بالطعام والشراب وبذخه على ذلك.
وثمة تقارير أخرى تؤكد أنه كان«واسع الاطلاع» ومتابع جيد للأحداث الدولية، ومناور ذكي على استعداد للمخاطرة لدعم نظامه. ووصفته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت بأنه «شخص متمكن». وعُرف عنه حبه للفن، فقد قيل إنه ألّف 6 «أوبرات». وكان قد تولى مسؤولية شؤون الفن والثقافة في حزب العمال في عام 1980. ودفعه شغفه بالسينما الى إصدار أمر باختطاف المخرج الكوري الجنوبي شين سانغ أوك وزوجته الممثلة إيون في عام 1978، وبعد 5 سنوات أطلقهما واعتذر عن اختطافهما وطلب منهما صنع أفلام عنه، حيث قاما بالفعل بصناعة سبعة أفلام قبل هروبهما إلى الغرب عام 1986.
هذا الرجل الذي أوصله شغفه بالسينما إلى حد الهوس، ترك تراثاً يستحق أن يكون مادة دسمة للفن السابع، سواء كان الموضوع في معرض الثناء أو الذم.
--------------------------------------------------------------------------------
«السحابة الصالحة»
يحكم كوريا الشماليّة
يستعد الشاب كيم يونغ أون لقيادة كوريا الشمالية بعد وفاة والده كيم يونغ إيل، ليمتد حكم عائلة كيم للبلاد لجيل ثالث. لا يُعرف الكثير عن كيم الابن، على الرغم من أن والده ونظامه كانا يعدّان الترتيبات لانتقال السلطة الى الابن منذ سنوات. ويعتقد أن أون يبلغ من العمر 28 عاماً وتمت ترقيته الى رتبة جنرال وتولى منصباً سياسياً كبيراً، فيما أفادت تقارير عن قيامه بزيارة دبلوماسية مهمة للصين في أيار هذا العام. وربما كانت هذه الزيارة واحدة من أهم الخطوات الدبلوماسية التي قام بها على الإطلاق، فبحسب الباحث في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول، يانغ مو مين، فإن زيارة أون لبكين «ستضطر باقي دول العالم الى التطلع الى صبي مدعوم من الصين ليصبح زعيم كوريا الشمالية المقبل». وقد ولد أصغر أبناء الزعيم الراحل الثلاثة في عام 1984 على الأرجح. وترجمة اسمه بالصينية هي «السحابة الصالحة»، فيما تطلق عليه وسائل الإعلام «الجنرال الشاب». تلقى تعليمه في سويسرا ويعتقد أنه يتحدث الإنكليزية والألمانية، ويشبه جده مؤسس كوريا الشمالية، كيم إيل تسونغ، كثيراً في ملامحه.
(رويترز)
الأخبار: 20 كانون الأول 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق