فزّاعة إيرانية لكبح جماح الحرب: برميل النفط بـ400 دولار!
سفن إيرانية في مضيق هرمزما الذي يجعل مضيق هرمز بمثابة اليد التي تؤلم، ليس فقط لدول المنطقة، بل للعالم كله في حال نشوب حرب بين إيران والغرب؟ لعل تحوّل هذا الشريان الحيوي إلى وسيلة ضغط، نابع من موقعه الاستراتيجي عند مدخل الخليج بين سلطنة عُمان وإيران، وكرابط بين خليج عُمان وبحر العرب. إلا أن أهميته الاقتصادية كممر لحوالى 60 في المئة من النفط العالمي، تجعل مسألة إغلاقه، كارثة اقتصادية على الدول العربية المطلة على الخليج، وخسارة لأهم مصادر الطاقة لمعظم دول العالم، ولا سيما اليابان ودول أوروبا الغربية والولايات المتحدة. لعلّ معنى اسم «هرمز» في الأسطورة الإغريقية، كإله للخير، أبلغ دليل على حيوية هذا المضيق.
معمر عطوي
لم يكن التهديد الإيراني بإقفال مضيق هرمز، الذي تجدّد أخيراً على لسان قائد القوة البحرية الأميرال حبيب الله سياري، أمراً غريباً على الخطاب السياسي ــــ العسكري لطهران. إذ أدّى هذا المضيق، منذ بدء التهديدات بحرب محتملة بين الجمهورية الإسلامية والغرب، دور الفزّاعة التي تستخدم لإظهار مدى خطورة تداعيات أي نزاع عسكري محتمل على الوضع الأمني في الخليج وانعكاساته الوخيمة على الاقتصاد العالمي، وخصوصاً مصادر الطاقة.
ويُعدّ «هرمز»، من وجهة نظر القانون الدولي، جزءاً من أعالي البحار، ما يسمح لكل السفن بالمرور فيه، ولا سيما أنه يمثّل عنق الزجاجة الواصل بين مياه الخليج وبحر عُمان وصولاً إلى المحيط الهندي. وهو المنفذ الوحيد للدول الخليجية، باستثناء السعودية التي تطل على البحر الأحمر، فيما تطلّ إيران من الشمال على بحر قزوين، ومن الجنوب على بحر عُمان.
وتختلف الإحصاءات بشأن كميات النفط العالمي التي تمر عبر مضيق هرمز، بين دراسة وأخرى، وتراوح النسب بين 40 في المئة و60 في المئة.
بأي حال، الخسائر التي ستنجم عن إقفال المضيق لدى وقوع حرب محتملة، ستكون كارثية على دول المنطقة، من حيث تراجع حجم الصادرات، وعلى العالم من حيث النقص في كميات الطاقة.
وقد يكون التقرير الذي نشرته العام الماضي مجلة «التحليلات والأخبار الاقتصادية الخليجية»، شافياً ووافياً لجهة إظهار حجم الكارثة التي ستصيب المنطقة فيما لو جرى إغلاق «هرمز»؛ نحو 90 في المئة من صادرات نفط الخليج، تُنقل في ناقلات عبر المضيق، الذي يمر من خلاله أيضاً أكثر من 50 في المئة من حجم تجارة المنطقة مع العالم. ويشدّد التقرير على أن إيران نفسها ستعاني هذه المشكلة، لكونها تُصدّر عبر «هرمز»، حوالى 90 في المئة من نفطها.
وبالتالي فإن أسعار النفط سترتفع ارتفاعاً جنونياً، وقد تصل حسب الخبراء النفطيين، إلى 250 دولاراً للبرميل الواحد، وربما تصل إلى 400 دولار إذا استمر توقف إمدادات النفط من الخليج.
ويبدو أن إيران، التي تمتلك ترسانة عسكرية بحريّة تمكنّها من السيطرة على حركة الملاحة في الخليج، قد اتخّذت كل احتياطاتها استعداداً لما هو محتمل، وأعلنت قبل أسابيع أنها قررت تكليف الحرس الثوري مهمة الدفاع عن مياهها الإقليمية في الخليج، وأنها لن تتردد في إغلاق مضيق هرمز في حال قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بمهاجمتها.
الإعلان الأخير أتى على لسان الجنرال يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، وجاء فيه «إن مسؤولية الدفاع عن الخليج الفارسي قد أوكلت إلى بحرية الحرس الثوري، بينما ستتولى البحرية التقليدية مهمات أخرى في بحر عمان وبحر قزوين». وصدور الإعلان عن مستشار المرشد يحمل العديد من الدلالات التي تؤكد ذهاب إيران بعيداً في المواجهة، التي أوضح صفوي ملامحها بقوله «إن بمقدور قواتنا المسلحة المزودة بأحدث الأسلحة الدفاعية، بما فيها الصواريخ بأنواعها، بسط سيطرتها على مضيق هرمز».
وكان قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، قد أعلن في حزيران الماضي أن «إيران ستعمل بالتأكيد على فرض قيود على الخليج الفارسي ومضيق هرمز»، مهدّداً بأنه «إذا وقعت مواجهة بيننا وبين عدو من خارج المنطقة، فإن نطاق المواجهة سيمتد بالتأكيد إلى الموضوع النفطي. بعد هذا التحرك، فإن سعر النفط سيرتفع بدرجة كبيرة جداً، وهذا من بين العوامل التي تردع الأعداء».
ويمكن القول إن بدائل هذا الشريان الحيوي، المتمثلة ببعض أنابيب النفط، تبقى محدودة، في وقت تحتاج فيه المنطقة أيضاً إلى استيراد الخدمات والتكنولوجيا والأسلحة.
لكن هذا لا يمنع دول الخليج اليوم من التفكير تفكيراً جدّياً في إيجاد بدائل عن هذا المضيق في حال إغلاقه، مثل ميناء ينبع السعودي الواقع على البحر الأحمر، والمرتبط بأنابيب تصله بآبار النفط في المنطقة الشرقية من السعودية. إضافة إليه، هناك ميناءا عدن في اليمن، وصلالة في عُمان، المطلاّن على المحيط الهندي.
بيد أن الأميركيين يحاولون الإيحاء بأن إقفال مضيق هرمز لن ينجح، عبر تشكيكهم في إمكان طهران إغلاقه لأكثر من أيام معدودة فقط.
وفي تحليل عسكري ــ سياسي أعده الباحث الألماني هانز فالكن هاغن، يتبيّن أن «إيران باستطاعتها القيام بضربة حسّاسة لناقلات النفط في مضيق هرمز». ويشير التقرير إلى أن الجمهورية الإسلامية، وضعت خطة في هذا الإطار تهدف إلى تقليص انعكاسات أي ضربة عسكريّة ضدها، «ما يشير إلى أن إيران تشعر بتفوّق قوّاتها الحربيّة التقليديّة على القوى العسكريّة الأميركية والبريطانيّة في الشرق الأوسط».
أمّا الحيلة التي تستخدمها طهران في تحقيق هذه الفرضية (أيضاً بحسب التقرير الألماني)، فتكمن بما لديها من ترسانة أسلحة ضخمة، تضمّ الأساطيل البحريّة، ومنها سفن وغواصات محلية الصنع. فضلاً عن قدرتها على نشر آلاف الألغام البحريّة الموجّهة نحو أهدافها، في وقت قصير، في الخليج.
في هذا الإطار، أطلقت إيران صواريخ «تحت ــ مائية» تسير بسرعة مئة متر في الثانية، وتعدّ الأسرع في العالم، بحيث إنها تستطيع تجاوز الرادار أو نظام كشف التموجات الصوتيّة تحت الماء.
وتؤكد صحيفة «زوريخ الجديدة» السويسرية، في 5 نيسان 2006، أنه «مع وجود الصواريخ التحت ـ المائية وغيرها، قد تصبح كل الأساطيل الأميركيّة والبريطانيّة، بما في ذلك حاملات الطائرات في الخليج الفارسي وبحر عمان وبحر العرب، معرّضة في وقت قصير للغرق».
--------------------------------------------------------------------------------
«إله الخير» في مواجهة «الشيطان»
سمّي مضيق هرمز بهذا الاسم لتوسطه إمارة هرمز (سابقاً)، وهو من أهم المضائق المائية في العالم. وحسب دراسة للباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فاريبورز هاغشيناز، تحت عنوان «القدرات البحرية الإيرانية»، فإن طوله يبلغ حوالى 193 كيلومتراً، وعرضه 97 كيلومتراً في نهايته الشرقية، بينما يبلغ عرضه في الغرب 38.4 كيلومتراً، وفيه عمق يصل إلى 50 متراً. ويقع المضيق في منطقة تحتضن أكبر ميناء بحري وقاعدة عسكرية إيرانيين، يُسمى «بندر عباس». ويمر عبر هذا المضيق ما بين 40% من النفط التجاري العالمي و60 % منه، أي حوالى 17 مليون برميل في اليوم. بما يعني مرور أكثر من 50 ناقلة نفط يومياً.
و«هرمز» كلمة تعني في الأساطير الإغريقية «إله الحياة». ويؤمن به الزرادشتيون كإله للخير وكقاهر لإله الشر «أهريمان». فهل تستطيع إيران تحويله إلى قوة للخير في مواجهة «شر الشيطان الأكبر»؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق