معمر عطوي
«صناعة» الإرهاب نتيجة مصادرة الحقّ في المقاومة«مصادفة الولادة» تعبير استعاره الكاتب الألماني كارستن فيلاند من جملة للسلطان صلاح الدين قالها لناتان الحكيم، ونقلها الفيلسوف الألماني غوتهولد افرايم ليسنغ (1729ـــــ1781) في إحدى كتاباته.هي مصادفة لكنها سرعان ما تتحوّل إلى مشروع كامل يبدأ من العصبوية القبائلية الصغيرة ويطمح إلى بناء دولة ـــــ أمّة تضمّ المشتركين في هذه «المصادفة»، لجهة روابط العرق واللغة واللون والتقاليد، واستطراداً الدين. انطلاقاً من هذه الفرضيّة، يعالج الكاتب الألماني موضوع الإثنيات وتأثيرها في تشكيل الكيان السياسي، ودور السياسة في تحويل الإثنية من حالة اجتماعية إلى مشروع سياسي قومي. وذلك في كتابه «الدولة القومية خلافاً لإرادتها» الذي نقله إلى العربية محمد جديد، ونشرته دار المدى في دمشق.يخصّص الكاتب عمله لمعالجة موضوع «تسييس الإثنيات وأثننة السياسة»، مخصّصاً بحثه حول واقع عاشه ميدانياً من خلال عمله صحافياً، في البوسنة والهرسك والهند وباكستان. لذلك كانت القوميّة عنده مرتبطة بالدين حتّى أنه جعل الدين هنا أحد العناصر المشكِّلة للقومية. ثنائية لا يبدو أنها دقيقة ما دام الدين لا يطرح ذاته وسط قومية معينة أو إثنية بحدّ ذاتها.يقول فيلاند «حين خرج الكتاب في عام 2000 إلى المكتبات، بدا كأنّ عقداً من السياسة الدولية قد اختتم، وكان حافلاً بألوان الصراع الإثني، وكانت معظم الأزمات والمناقشات الدولية تدور حول انموذج الإثنية بعد انحلال النماذج القديمة من الصراع أيام الحرب الباردة في أنموذج الدول القومية».بمعنى آخر، ارتبط مفهوم الإرهاب بالجماعات الإثنية التي تطالب بحقوقها السياسية، أو بتلك الجماعات، ولا سيما الأقليات، التي سمحت لنفسها أن تصبح لقمة سائغة يستخدمها اللاعبون على رقعة الشطرنج الدولية، من أجل تحقيق مصالحهم.نعم، لقد دخلت «الإثنية» و«الإرهاب» في تحالفات، وحاول الغرب أن يلصق هذه الاثنية بجماعة دينية على غرار المسلمين بعد أحداث 11 ايلول الشهيرة. لكن فيلاند هنا يرى أنّ من النادر أن يقوم التحالف بين الإثنية والأصولية الدينية، مستثنياً بذلك باكستان «التي نشأت عن طريق قومية إثنية إسلامية، وطوّرت نفسها في اتجاه الأصولية الإسلامية بعدما تمّ تحقيق مشروعها القومي الإثني».يتحدّث الكاتب هنا عن الغاية السياسية من توظيف الايديولوجيا، التي تتغذّى حكماً من مصادر الدين والثقافة، معتبراً أنّ محاولة مكافحتها قلّما تجدي على الصعيد السياسي حصراً.ويقع الكاتب في مغالطة كبيرة حين يقول إنّ «الحرب التي تتسم بالسمة الانغلو ـــــ أميركية بوجه خاص كما حدث ضدّ العراق في 2003، كانت نتيجة مباشرة لأحداث 11 أيلول، على الاقلّ عندما يتابع المرء البادئين بالحرب». يتناسى الكاتب هنا أنّ هذا الحلف الانغلو ـــــ أميركي هو من أسس ظهور العصبويات الإثنية في فلسطين والعالم العربي، وهو ما أسهم إلى حدّ كبير في ايجاد مناخات ملائمة لتطوّر جماعات إثنية أو ايديولوجية أو قومية أو دينية، تستخدم المقاومة المسلحة لتحقيق أهدافها. هذه السياسة التي دعمت الدولة العبرية، تصبّ في خانة أثننة السياسة، ومحاولة جعل دولة اليهود دولة ذات ثنائية قومية ـــــ دينية ولو بالقوّة.ثمة مغالطة تجعل مشروعية الضحية في تحصيل حقّها، سبباً للاعتداء عليها، هي الذهنية السائدة في أكثر «البلاطات» السياسية، حيث تؤدّي سياستها ذات المعايير المزدوجة ومصادرتها لحقّ الإنسان في المقاومة من أجل تحصيل حقوقه، إلى ظهور حالات متطرّفة تغذيها أفكار دينية وقومية، لتخرج بها عن سياق الحقّ المكتسب بالدفاع عن النفس وتحقيق الأهداف إلى العمل الإرهابي.هذه السياسة هي التي صنعت الإرهاب، وهي التي توظّفه سواء من خلال عصبوية إثنية أو دينية أو مذهبية في معاركها من أجل تحقيق مطامعها وأهدافها الاقتصادية.
«صناعة» الإرهاب نتيجة مصادرة الحقّ في المقاومة«مصادفة الولادة» تعبير استعاره الكاتب الألماني كارستن فيلاند من جملة للسلطان صلاح الدين قالها لناتان الحكيم، ونقلها الفيلسوف الألماني غوتهولد افرايم ليسنغ (1729ـــــ1781) في إحدى كتاباته.هي مصادفة لكنها سرعان ما تتحوّل إلى مشروع كامل يبدأ من العصبوية القبائلية الصغيرة ويطمح إلى بناء دولة ـــــ أمّة تضمّ المشتركين في هذه «المصادفة»، لجهة روابط العرق واللغة واللون والتقاليد، واستطراداً الدين. انطلاقاً من هذه الفرضيّة، يعالج الكاتب الألماني موضوع الإثنيات وتأثيرها في تشكيل الكيان السياسي، ودور السياسة في تحويل الإثنية من حالة اجتماعية إلى مشروع سياسي قومي. وذلك في كتابه «الدولة القومية خلافاً لإرادتها» الذي نقله إلى العربية محمد جديد، ونشرته دار المدى في دمشق.يخصّص الكاتب عمله لمعالجة موضوع «تسييس الإثنيات وأثننة السياسة»، مخصّصاً بحثه حول واقع عاشه ميدانياً من خلال عمله صحافياً، في البوسنة والهرسك والهند وباكستان. لذلك كانت القوميّة عنده مرتبطة بالدين حتّى أنه جعل الدين هنا أحد العناصر المشكِّلة للقومية. ثنائية لا يبدو أنها دقيقة ما دام الدين لا يطرح ذاته وسط قومية معينة أو إثنية بحدّ ذاتها.يقول فيلاند «حين خرج الكتاب في عام 2000 إلى المكتبات، بدا كأنّ عقداً من السياسة الدولية قد اختتم، وكان حافلاً بألوان الصراع الإثني، وكانت معظم الأزمات والمناقشات الدولية تدور حول انموذج الإثنية بعد انحلال النماذج القديمة من الصراع أيام الحرب الباردة في أنموذج الدول القومية».بمعنى آخر، ارتبط مفهوم الإرهاب بالجماعات الإثنية التي تطالب بحقوقها السياسية، أو بتلك الجماعات، ولا سيما الأقليات، التي سمحت لنفسها أن تصبح لقمة سائغة يستخدمها اللاعبون على رقعة الشطرنج الدولية، من أجل تحقيق مصالحهم.نعم، لقد دخلت «الإثنية» و«الإرهاب» في تحالفات، وحاول الغرب أن يلصق هذه الاثنية بجماعة دينية على غرار المسلمين بعد أحداث 11 ايلول الشهيرة. لكن فيلاند هنا يرى أنّ من النادر أن يقوم التحالف بين الإثنية والأصولية الدينية، مستثنياً بذلك باكستان «التي نشأت عن طريق قومية إثنية إسلامية، وطوّرت نفسها في اتجاه الأصولية الإسلامية بعدما تمّ تحقيق مشروعها القومي الإثني».يتحدّث الكاتب هنا عن الغاية السياسية من توظيف الايديولوجيا، التي تتغذّى حكماً من مصادر الدين والثقافة، معتبراً أنّ محاولة مكافحتها قلّما تجدي على الصعيد السياسي حصراً.ويقع الكاتب في مغالطة كبيرة حين يقول إنّ «الحرب التي تتسم بالسمة الانغلو ـــــ أميركية بوجه خاص كما حدث ضدّ العراق في 2003، كانت نتيجة مباشرة لأحداث 11 أيلول، على الاقلّ عندما يتابع المرء البادئين بالحرب». يتناسى الكاتب هنا أنّ هذا الحلف الانغلو ـــــ أميركي هو من أسس ظهور العصبويات الإثنية في فلسطين والعالم العربي، وهو ما أسهم إلى حدّ كبير في ايجاد مناخات ملائمة لتطوّر جماعات إثنية أو ايديولوجية أو قومية أو دينية، تستخدم المقاومة المسلحة لتحقيق أهدافها. هذه السياسة التي دعمت الدولة العبرية، تصبّ في خانة أثننة السياسة، ومحاولة جعل دولة اليهود دولة ذات ثنائية قومية ـــــ دينية ولو بالقوّة.ثمة مغالطة تجعل مشروعية الضحية في تحصيل حقّها، سبباً للاعتداء عليها، هي الذهنية السائدة في أكثر «البلاطات» السياسية، حيث تؤدّي سياستها ذات المعايير المزدوجة ومصادرتها لحقّ الإنسان في المقاومة من أجل تحصيل حقوقه، إلى ظهور حالات متطرّفة تغذيها أفكار دينية وقومية، لتخرج بها عن سياق الحقّ المكتسب بالدفاع عن النفس وتحقيق الأهداف إلى العمل الإرهابي.هذه السياسة هي التي صنعت الإرهاب، وهي التي توظّفه سواء من خلال عصبوية إثنية أو دينية أو مذهبية في معاركها من أجل تحقيق مطامعها وأهدافها الاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق