معمر عطوي
هانز غادامر التأويلي يناقش «طرق» أستاذه الوجودي
«طرق هايدغر، شهادة إنسانية حيَّة يدوّنها فيلسوف كبير عن فيلسوف كبير»। بهذه العبارة يلخّص ناشر كتاب «طرق هايدغر» مضمون هذه «الوثيقة التاريخية الفلسفية» التي كتبها فيلسوف التأويل «الهيرمونوطيقا» الألماني هانز غورغ غادامر، عن أستاذه الفيسلوف الوجودي، مارتن هايدغر. والتي ترجمها الباحثان العراقيّان حسن ناظم وعلي حاكم صالح لـ «دار الكتاب الجديد المتحدة»، في بيروت.لا بدّ من القول، وبعيداً عن مناقشة مدى خيانة الترجمة للنصّ الأصلي، أنّ المترجمَين وقعا في أخطاء لا يمكن التغاضي عنها، كونها تتعلّق بأسماء علَم، من البديهي لمن يُتقن اللغة الألمانية ألّا يقع فيها. على سبيل المثال ورد اسم الفيلسوف الألماني (Heidegger) «هيدغر»، بينما كان ينبغي أن يكون «هايدغر»، أما المؤلف (Gadamer)، فورد على الشكل التالي: «غادامير»، بينما الأصح «غادامر». هذا الخطأ سببه القراءة الإنكليزية للأسماء لا القراءة الألمانية.لعل أفضل ما يُمِّيز هذا العمل، هو أنّ الكاتب يتناول طرق حياة وفلسفة وتفكير معلمه، بطريقة هي أشبه بسيرة تتجاوز في مدلولاتها البعد السردي إلى وصف مناخات اجتماعية وسياسية وفكرية، كوّنت شروط «تبيئة» الوعي لدى هذا الفيلسوف الذي اتُّهم بمحاباة النازية في زمن حكم الرايخ الثالث بزعامة أدولف هتلر. ويتناول غادامر في كتابه، الصياغات الأولى لمشروع هايدغر في مناقشة نصه «ما الميتافيزيقا؟»، فيبيّن أنّ محاولة هايدغر الأولى لتجاوز الميتافيزيقا «صيغت مع ذلك بلغة ميتافيزيقية».في فصل الوجودية وفلسفة الوجود، يجري غادامر مقاربة فلسفية لمدارس وجودية عديدة تبدأ من كارل ياسبرز وألبير كامو ولا تنتهي مع بول سارتر ومارتن هايدغر. فالفيلسوف الألماني يرى أن كلمة وجودية EXISTENTIALISM هي من ابتكار الفرنسيّين، حين استهلها سارتر في أربعينيات القرن العشرين، في الوقت الذي كان الألمان يحتلّون فرنسا، وهذا ما ظهر في كتاب الفيلسوف الفرنسي «الوجود والعدم». لكنّه يؤكّد في الوقت نفسه أثر الفكر الألماني على هذا المذهب الوجودي، من فريدرش هيغل إلى هايدغر وإدموند هوسيرل، كحافز يقف وراء فلسفة سارتر.ويعطي غادامر نظرة شاملة للوجودية، مناقشاً ياسبرز وسارتر وسورين كيركيغارد في مقاربة جميلة مع هايدغر في كتابه «الوجود والزمان» (1926). كذلك لا ينسى الكاتب الإشارة إلى البُعد الإنساني في علاقته بأستاذه حيث يعرض تحت عنوان: «مارتن هايدغر في عيد ميلاده الخامس والسبعين» (1964)، مسيرة نصف قرن من عطاء الفيلسوف، ويصف التعبير الذي استخدمه هايدغر لتسمية الحقيقة الإنسانية DASEIN (الموجود بوصفه الهناك)، والمقصود هو الوجود رغم التناهي والذي يؤسّس أصالة الإنسان زمانياً، بأنه تفوح منه «رائحة سرّ روحي». الكتاب مليء بالتحليل الفكري والرؤية الفلسفية النقدية لفلاسفة منذ اليونان القديمة، وصولاً إلى الفلاسفة المعاصرين، مستغرقاً في مقاربة تأويلية عميقة لأعمال فيلسوف الوجود إزاء فلاسفة تركوا آثارهم في أعمال هايدغر.يتضمن كتاب غادامر مجموعة مقالات حوالى 350 صفحة، مقسّماً إلى 15 فصلا، ناقش فيها بعمق «الوجودية وفلسفة الوجود»، و«علم اللاهوت في ماربورغ»، و«كانط والمنعطف التأويلي»، و«مارتن هايدغر المفكر»، و«لغة الميتافيزيقا»..."الاخبار" 26 ايلول 2007
هانز غادامر التأويلي يناقش «طرق» أستاذه الوجودي
«طرق هايدغر، شهادة إنسانية حيَّة يدوّنها فيلسوف كبير عن فيلسوف كبير»। بهذه العبارة يلخّص ناشر كتاب «طرق هايدغر» مضمون هذه «الوثيقة التاريخية الفلسفية» التي كتبها فيلسوف التأويل «الهيرمونوطيقا» الألماني هانز غورغ غادامر، عن أستاذه الفيسلوف الوجودي، مارتن هايدغر. والتي ترجمها الباحثان العراقيّان حسن ناظم وعلي حاكم صالح لـ «دار الكتاب الجديد المتحدة»، في بيروت.لا بدّ من القول، وبعيداً عن مناقشة مدى خيانة الترجمة للنصّ الأصلي، أنّ المترجمَين وقعا في أخطاء لا يمكن التغاضي عنها، كونها تتعلّق بأسماء علَم، من البديهي لمن يُتقن اللغة الألمانية ألّا يقع فيها. على سبيل المثال ورد اسم الفيلسوف الألماني (Heidegger) «هيدغر»، بينما كان ينبغي أن يكون «هايدغر»، أما المؤلف (Gadamer)، فورد على الشكل التالي: «غادامير»، بينما الأصح «غادامر». هذا الخطأ سببه القراءة الإنكليزية للأسماء لا القراءة الألمانية.لعل أفضل ما يُمِّيز هذا العمل، هو أنّ الكاتب يتناول طرق حياة وفلسفة وتفكير معلمه، بطريقة هي أشبه بسيرة تتجاوز في مدلولاتها البعد السردي إلى وصف مناخات اجتماعية وسياسية وفكرية، كوّنت شروط «تبيئة» الوعي لدى هذا الفيلسوف الذي اتُّهم بمحاباة النازية في زمن حكم الرايخ الثالث بزعامة أدولف هتلر. ويتناول غادامر في كتابه، الصياغات الأولى لمشروع هايدغر في مناقشة نصه «ما الميتافيزيقا؟»، فيبيّن أنّ محاولة هايدغر الأولى لتجاوز الميتافيزيقا «صيغت مع ذلك بلغة ميتافيزيقية».في فصل الوجودية وفلسفة الوجود، يجري غادامر مقاربة فلسفية لمدارس وجودية عديدة تبدأ من كارل ياسبرز وألبير كامو ولا تنتهي مع بول سارتر ومارتن هايدغر. فالفيلسوف الألماني يرى أن كلمة وجودية EXISTENTIALISM هي من ابتكار الفرنسيّين، حين استهلها سارتر في أربعينيات القرن العشرين، في الوقت الذي كان الألمان يحتلّون فرنسا، وهذا ما ظهر في كتاب الفيلسوف الفرنسي «الوجود والعدم». لكنّه يؤكّد في الوقت نفسه أثر الفكر الألماني على هذا المذهب الوجودي، من فريدرش هيغل إلى هايدغر وإدموند هوسيرل، كحافز يقف وراء فلسفة سارتر.ويعطي غادامر نظرة شاملة للوجودية، مناقشاً ياسبرز وسارتر وسورين كيركيغارد في مقاربة جميلة مع هايدغر في كتابه «الوجود والزمان» (1926). كذلك لا ينسى الكاتب الإشارة إلى البُعد الإنساني في علاقته بأستاذه حيث يعرض تحت عنوان: «مارتن هايدغر في عيد ميلاده الخامس والسبعين» (1964)، مسيرة نصف قرن من عطاء الفيلسوف، ويصف التعبير الذي استخدمه هايدغر لتسمية الحقيقة الإنسانية DASEIN (الموجود بوصفه الهناك)، والمقصود هو الوجود رغم التناهي والذي يؤسّس أصالة الإنسان زمانياً، بأنه تفوح منه «رائحة سرّ روحي». الكتاب مليء بالتحليل الفكري والرؤية الفلسفية النقدية لفلاسفة منذ اليونان القديمة، وصولاً إلى الفلاسفة المعاصرين، مستغرقاً في مقاربة تأويلية عميقة لأعمال فيلسوف الوجود إزاء فلاسفة تركوا آثارهم في أعمال هايدغر.يتضمن كتاب غادامر مجموعة مقالات حوالى 350 صفحة، مقسّماً إلى 15 فصلا، ناقش فيها بعمق «الوجودية وفلسفة الوجود»، و«علم اللاهوت في ماربورغ»، و«كانط والمنعطف التأويلي»، و«مارتن هايدغر المفكر»، و«لغة الميتافيزيقا»..."الاخبار" 26 ايلول 2007