بدت الصين وروسيا، خلال مناقشات فرض حظر جوي فوق ليبيا في مجلس الأمن الدولي، الدولتين الوحيدتين المعارضتين لخطوة كهذه، لكن هذا الاعتراض وجدت له الدولتان مخرجاً بالامتناع عن التصويت في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي أقرّت الحظر
معمر عطوي
رغم أن النظام الليبي قد جنح منذ غزو العراق نحو الدول الغربية الرأسمالية التي كان يعاديها في السابق ويصفها بأبشع النعوت، إلا أن علاقته مع الصين، الدولة الشيوعية الآسيوية ذات القوة الاقتصادية الفائقة، بقيت في تطور مستمر على مدى عقود، إلى درجة أن الأخيرة ظلت وفيّة لعلاقاتها بالجماهيرية حتى آخر لحظة، ممتنعة عن التصويت على قرار فرض حظر جوي فوق أراضيها في جلسة مجلس الأمن الأخيرة ليل الخميس الجمعة.
الواضح أن لهذا القرار الصيني دوافعه التي تكمن بالدرجة الأولى في الاقتصاد، إذ أظهرت الأزمة الأخيرة في ليبيا أن الجماهيرية تحتضن ما يربو على 36 ألف عامل صيني، فيما تشير بعض التقديرات الاقتصادية، إلى أن حجم المشاريع التي تنفذها الشركات الصينية في ليبيا والمتعلقة بالبنية التحتية والإسكان والسكك الحديدية، تجاوزت الـ 20 مليار دولار.
لكن مستوى العلاقة بين البلدين لم يقتصر على العمالة، فللموقف الصيني في مجلس الأمن اعتبارات مصلحية بالدرجة الأولى، قائمة على علاقات دبلوماسية بدأت منذ عام 1978. لقد نشأت فعلاً علاقات متينة بين الجماهيرية، التي كانت تدّعي الوقوف في معسكر الاشتراكية ضد الإمبريالية أيام الحرب الباردة، وأكبر دولة شيوعية مساحة وسكاناً في العالم. علاقات لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي، بل تناولت التعاون بين البلدين في حقول مختلفة كانت في تطور مستمر.
على المستوى السياسي، كانت بكين تقف الى جانب طرابلس في مواقفها التصعيدية ضد الولايات المتحدة وإشكالياتها مع الدول الغربية. وكانت تثني عليها في اعتمادها نمطاً ديكتاتورياً من الحكم يشبه ما تعتمده اللجان الشعبية في الصين. لذلك آزر كل منهما الآخر في الشؤون الدولية وتشاركا الموقف نفسه، ولا سيما لجهة وضع حقوق الإنسان في بعض مقاطعات الصين الانفصالية كالتيبت، الى جانب قضية تايوان التي تعد أحد ملفّات خلاف بكين مع الغرب.
وحافظت الصين وليبيا على الاتصالات بينهما، رغم نظر بعض المسؤولين الصينيين بارتياب الى انفتاح القذافي غير المحدود على واشنطن، واستمر التنسيق في القضايا الدولية والإقليمية بين البلدين. وتجلى اهتمام ليبيا أكثر بمكانة الصين ودورها عضواً دائماً في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وخصوصاً حين كانت الأولى عضواً في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في الفترة ما بين 1992 و1994، لذلك أيدت طرابلس الصين في مؤتمرات حقوق الإنسان.
ولم تقف تلك الزيارة، التي قام بها سيف الإسلام معمر القذافي الى تايوان في عام 2006، حجر عثرة أمام تعزيز العلاقات، فالنفط الليبي يمثّل مادة دسمة تفتح شهية الشركات الصينية، ورخص الأيدي العاملة في الصين يشجع ليبيا على تشغيل العمالة الصينية لديها في مجالات عديدة.
وحين جنحت الجماهيرية نحو السلم مع الولايات المتحدة والدول الغربية سنة 2003 أرادت دفع فاتورة لواشنطن في آسيا، فزار سيف الإسلام تايوان. هذه الزيارة، التي وصفتها تايوان بالتاريخية، كانت مثار مناقشات حادة بين المسؤولين الصينيين والليبيين، إذ ندد وزير الخارجية الصيني، لي تشاوشينغ، خلال لقاء مع رئيس الوزراء الليبي، شكري غانم، في طرابلس، بالزيارة، معتبراً أنها إهانة لبكين.
وقال مصدر رسمي ليبي لوكالة «فرنس برس» آنذاك، إن اللقاء شهد مشادة كلامية حادة بين الرجلين، إذ احتج الوزير الصيني على زيارة سيف الإسلام القذافي لتايوان، وعلى الدعوة التي وجهها الى الرئيس التايواني شين شوي ـ بيان لزيارة ليبيا. احتجاج تجد طرابلس دائماً ردّها عليه على طريقتها الملتوية، إذ أجاب غانم المسؤول الصيني «عندما أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لم تستشرنا، فلماذا هذا الاحتجاج؟».
على المستوى الاقتصادي، أيضاً كان عام 1978 عام بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وليبيا، حيث وقّع البلدان أول اتفاق تجاري، والذي تعزز أكثر في تشرين الأول 1982. في ذلك العام أيضاً، جرى توقيع اتفاق لتأسيس لجنة «سينو ـ ليبيا» للتعاون في الشؤون الاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية، وبرنامج التعاون المشترك الصيني الليبي.
وبدأت علاقات التعاون التجاري تؤتي ثمارها في عام 1981، حين دخلت الشركات الصينية بنجاح الى ليبيا من أجل تنفيذ عقود عمل وتسويق في مجال البناء ومشاريع البنى التحتية.
واستمرت هذه التطورات في العلاقة حتى العام الجاري، ففي نهاية العام الماضي (2010)، أعلن أمين شؤون التعاون في اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي الليبية، محمد سيالة، أن حجم المبادلات التجارية الليبية الصينية وصل، إلى 7,5 مليارات دولار، فيما تجاوز حجم عقود البنية الأساسية التي تنفذها الشركات الصينية في ليبيا 21 مليار دولار.
وتعدى التعاون ذلك الى المجال الصحي، فالثقافي، وصولاً الى التكنولوجيا العلمية، وشهد البلدان تعاوناً في مجال الصحة العامة والثقافة والتكنولوجيا العلمية: في عام 1982 وقّعت بكين وطرابلس اتفاقاً يلحظ إرسال فرق طبية من الصين الى ليبيا من عام 1983 حتى عام 1994. وفي عام 1985، وقّع البلدان اتفاقاً للتعاون الثقافي، بينما جرى توقيع مذكرة للتعاون العلمي التكنولوجي في عام 1990. وتطورت العلاقات في عام 2001 حين توقيع برنامج تطبيقي ثقافي وعلمي بين عامي 2001 و2004.
هذا إلى جانب التعاون العسكري، فقد ذكرت تقارير عديدة أن طرابلس اشترت صواريخ ومعدات عسكرية من بكين، وأن الترسانة العسكرية للجماهيرية اعتمدت في جزء من عتادها على التنين الآسيوي.
في كل الأحوال، بدا الموقف الصيني تجاه فرض حظر جوي على ليبيا، في جزء منه، عرفاناً بالجميل تجاه نظام القذافي الذي قدّم الكثير من الفرص الغنية للشركات الصينية، وبالتالي محاولة للحفاظ على استقرار ليبيا، لأن من تعرفه بكين قد يكون أفضل من الذي ستتعرف عليه.
الواضح أن لهذا القرار الصيني دوافعه التي تكمن بالدرجة الأولى في الاقتصاد، إذ أظهرت الأزمة الأخيرة في ليبيا أن الجماهيرية تحتضن ما يربو على 36 ألف عامل صيني، فيما تشير بعض التقديرات الاقتصادية، إلى أن حجم المشاريع التي تنفذها الشركات الصينية في ليبيا والمتعلقة بالبنية التحتية والإسكان والسكك الحديدية، تجاوزت الـ 20 مليار دولار.
لكن مستوى العلاقة بين البلدين لم يقتصر على العمالة، فللموقف الصيني في مجلس الأمن اعتبارات مصلحية بالدرجة الأولى، قائمة على علاقات دبلوماسية بدأت منذ عام 1978. لقد نشأت فعلاً علاقات متينة بين الجماهيرية، التي كانت تدّعي الوقوف في معسكر الاشتراكية ضد الإمبريالية أيام الحرب الباردة، وأكبر دولة شيوعية مساحة وسكاناً في العالم. علاقات لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي، بل تناولت التعاون بين البلدين في حقول مختلفة كانت في تطور مستمر.
على المستوى السياسي، كانت بكين تقف الى جانب طرابلس في مواقفها التصعيدية ضد الولايات المتحدة وإشكالياتها مع الدول الغربية. وكانت تثني عليها في اعتمادها نمطاً ديكتاتورياً من الحكم يشبه ما تعتمده اللجان الشعبية في الصين. لذلك آزر كل منهما الآخر في الشؤون الدولية وتشاركا الموقف نفسه، ولا سيما لجهة وضع حقوق الإنسان في بعض مقاطعات الصين الانفصالية كالتيبت، الى جانب قضية تايوان التي تعد أحد ملفّات خلاف بكين مع الغرب.
وحافظت الصين وليبيا على الاتصالات بينهما، رغم نظر بعض المسؤولين الصينيين بارتياب الى انفتاح القذافي غير المحدود على واشنطن، واستمر التنسيق في القضايا الدولية والإقليمية بين البلدين. وتجلى اهتمام ليبيا أكثر بمكانة الصين ودورها عضواً دائماً في مجلس الأمن للأمم المتحدة، وخصوصاً حين كانت الأولى عضواً في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في الفترة ما بين 1992 و1994، لذلك أيدت طرابلس الصين في مؤتمرات حقوق الإنسان.
ولم تقف تلك الزيارة، التي قام بها سيف الإسلام معمر القذافي الى تايوان في عام 2006، حجر عثرة أمام تعزيز العلاقات، فالنفط الليبي يمثّل مادة دسمة تفتح شهية الشركات الصينية، ورخص الأيدي العاملة في الصين يشجع ليبيا على تشغيل العمالة الصينية لديها في مجالات عديدة.
وحين جنحت الجماهيرية نحو السلم مع الولايات المتحدة والدول الغربية سنة 2003 أرادت دفع فاتورة لواشنطن في آسيا، فزار سيف الإسلام تايوان. هذه الزيارة، التي وصفتها تايوان بالتاريخية، كانت مثار مناقشات حادة بين المسؤولين الصينيين والليبيين، إذ ندد وزير الخارجية الصيني، لي تشاوشينغ، خلال لقاء مع رئيس الوزراء الليبي، شكري غانم، في طرابلس، بالزيارة، معتبراً أنها إهانة لبكين.
وقال مصدر رسمي ليبي لوكالة «فرنس برس» آنذاك، إن اللقاء شهد مشادة كلامية حادة بين الرجلين، إذ احتج الوزير الصيني على زيارة سيف الإسلام القذافي لتايوان، وعلى الدعوة التي وجهها الى الرئيس التايواني شين شوي ـ بيان لزيارة ليبيا. احتجاج تجد طرابلس دائماً ردّها عليه على طريقتها الملتوية، إذ أجاب غانم المسؤول الصيني «عندما أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لم تستشرنا، فلماذا هذا الاحتجاج؟».
على المستوى الاقتصادي، أيضاً كان عام 1978 عام بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وليبيا، حيث وقّع البلدان أول اتفاق تجاري، والذي تعزز أكثر في تشرين الأول 1982. في ذلك العام أيضاً، جرى توقيع اتفاق لتأسيس لجنة «سينو ـ ليبيا» للتعاون في الشؤون الاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية، وبرنامج التعاون المشترك الصيني الليبي.
وبدأت علاقات التعاون التجاري تؤتي ثمارها في عام 1981، حين دخلت الشركات الصينية بنجاح الى ليبيا من أجل تنفيذ عقود عمل وتسويق في مجال البناء ومشاريع البنى التحتية.
واستمرت هذه التطورات في العلاقة حتى العام الجاري، ففي نهاية العام الماضي (2010)، أعلن أمين شؤون التعاون في اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي الليبية، محمد سيالة، أن حجم المبادلات التجارية الليبية الصينية وصل، إلى 7,5 مليارات دولار، فيما تجاوز حجم عقود البنية الأساسية التي تنفذها الشركات الصينية في ليبيا 21 مليار دولار.
وتعدى التعاون ذلك الى المجال الصحي، فالثقافي، وصولاً الى التكنولوجيا العلمية، وشهد البلدان تعاوناً في مجال الصحة العامة والثقافة والتكنولوجيا العلمية: في عام 1982 وقّعت بكين وطرابلس اتفاقاً يلحظ إرسال فرق طبية من الصين الى ليبيا من عام 1983 حتى عام 1994. وفي عام 1985، وقّع البلدان اتفاقاً للتعاون الثقافي، بينما جرى توقيع مذكرة للتعاون العلمي التكنولوجي في عام 1990. وتطورت العلاقات في عام 2001 حين توقيع برنامج تطبيقي ثقافي وعلمي بين عامي 2001 و2004.
هذا إلى جانب التعاون العسكري، فقد ذكرت تقارير عديدة أن طرابلس اشترت صواريخ ومعدات عسكرية من بكين، وأن الترسانة العسكرية للجماهيرية اعتمدت في جزء من عتادها على التنين الآسيوي.
في كل الأحوال، بدا الموقف الصيني تجاه فرض حظر جوي على ليبيا، في جزء منه، عرفاناً بالجميل تجاه نظام القذافي الذي قدّم الكثير من الفرص الغنية للشركات الصينية، وبالتالي محاولة للحفاظ على استقرار ليبيا، لأن من تعرفه بكين قد يكون أفضل من الذي ستتعرف عليه.
الأخبار: ٢١ آذار ٢٠١١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق