ثمّة حالات استثنائية وسط هذا الجمع المُكتظ في مخيمات لبنان، تستحقّ أن تنحني لها احتراماً. محمود أحمد الأسعد، الذي غادرالحياة منذ أيام عن 23 عاماً هو واحد منها، فابن قرية مغار الخيط في محافظة صفد، كان يعيش في حي «الجالية» الفلسطينية في بلدة برالياس البقاعية. الأكثر إيلاماً من وضعه ـــــ مُقعد عاجز عن تحريك أي عضو في جسده ـــــ كان وضعه المواطني.
فوالدته اللبنانية لم تستطع منحه جنسيتها بسبب ظلم قانون بلادها، فغادرنا الشاب بحسرتين: العجز عن زيارة بيت جدّه لأمه في جنوب لبنان بدون تصريح، والعجز عن العودة إلى بلاد أبيه فلسطين. أمّا الإعاقة، فهزمها بالتفوق حتى كاد أن يحصل على دبلوم في إدارة الأعمال لولا المنيّة.
قصة تراجيدية طويلة عاشها هذا الفتى الذي وُلد في الكويت، حيث عمل والده بكد لتعليم أولاده الستة، إلا أن حرب الخليج الأولى واقتحام الجيش العراقي لهذه الإمارة النفطية، أوقعا الفلسطينيين ضحايا مرة أخرى. هكذا، هُجّروا بحجة مساندة زعيمهم الراحل ياسر عرفات للرئيس العراقي صدام حسين. هذا التهجير الذي أعادهم الى المربّع الثاني بعد مغار الخيط، أي البقاع اللبناني، ما كان ليوفّر مناخاً ملائماً لمعالجة مرض أصيب به الصبي الصغير، أضعف أعصابه لدرجة الشلل الكلي تدريجاً. فالعناية الصحيّة التي يقدّمها الهلال الأحمر الفلسطيني أو منظمة «الأونروا»، ليست كافية ولا تليق بمجتمعات الإنسانية المُتحضّرة. معاناة عايشها الطفل والمراهق والشاب تدريجاً حتى أصبح في وضع الشلل التام الذي يحتاج إلى من يحرّك له رأسه وجسده باستمرار. معاناة الإنسان الفلسطيني مع الرعاية الصحية لم ينج منها حتى الوالد الذي فارق الحياة بعد عذاب مضن مع أمراض الكلى التي لا يستطيع الفلسطيني معالجتها إلّا في صيدا.
لعلّ شجاعة محمود الذي فارق الحياة متألماً في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في بر الياس، تكمن في هذا الإصرار على خوض غمار العلم وتحقيق مقولة والده «إحنا الفلسطينيي ما إلنا غير العلم سلاح لنرجع على أرضنا. ما حدا سائل عنا»، وهو أمر اتبعته ابنة عمه «إقبال»، أصغر طالبة طب في العالم. محمود، الذي يتقاسمه وطنان، عاش مظلوماً في كلا الوطنين، ورحل حزيناً وسط أكوام من الأحلام لم يتح له وقت لرؤيتها تتحقق.
فوالدته اللبنانية لم تستطع منحه جنسيتها بسبب ظلم قانون بلادها، فغادرنا الشاب بحسرتين: العجز عن زيارة بيت جدّه لأمه في جنوب لبنان بدون تصريح، والعجز عن العودة إلى بلاد أبيه فلسطين. أمّا الإعاقة، فهزمها بالتفوق حتى كاد أن يحصل على دبلوم في إدارة الأعمال لولا المنيّة.
قصة تراجيدية طويلة عاشها هذا الفتى الذي وُلد في الكويت، حيث عمل والده بكد لتعليم أولاده الستة، إلا أن حرب الخليج الأولى واقتحام الجيش العراقي لهذه الإمارة النفطية، أوقعا الفلسطينيين ضحايا مرة أخرى. هكذا، هُجّروا بحجة مساندة زعيمهم الراحل ياسر عرفات للرئيس العراقي صدام حسين. هذا التهجير الذي أعادهم الى المربّع الثاني بعد مغار الخيط، أي البقاع اللبناني، ما كان ليوفّر مناخاً ملائماً لمعالجة مرض أصيب به الصبي الصغير، أضعف أعصابه لدرجة الشلل الكلي تدريجاً. فالعناية الصحيّة التي يقدّمها الهلال الأحمر الفلسطيني أو منظمة «الأونروا»، ليست كافية ولا تليق بمجتمعات الإنسانية المُتحضّرة. معاناة عايشها الطفل والمراهق والشاب تدريجاً حتى أصبح في وضع الشلل التام الذي يحتاج إلى من يحرّك له رأسه وجسده باستمرار. معاناة الإنسان الفلسطيني مع الرعاية الصحية لم ينج منها حتى الوالد الذي فارق الحياة بعد عذاب مضن مع أمراض الكلى التي لا يستطيع الفلسطيني معالجتها إلّا في صيدا.
لعلّ شجاعة محمود الذي فارق الحياة متألماً في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في بر الياس، تكمن في هذا الإصرار على خوض غمار العلم وتحقيق مقولة والده «إحنا الفلسطينيي ما إلنا غير العلم سلاح لنرجع على أرضنا. ما حدا سائل عنا»، وهو أمر اتبعته ابنة عمه «إقبال»، أصغر طالبة طب في العالم. محمود، الذي يتقاسمه وطنان، عاش مظلوماً في كلا الوطنين، ورحل حزيناً وسط أكوام من الأحلام لم يتح له وقت لرؤيتها تتحقق.
الأخبار: 22 كانون الأول 2010