رئيس الوزراء الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش لموسكو بعد ايام قليلة من عودته الى الحياة السياسية، لترسّخ معالم جديدة على الخريطة السياسية في اوكرانيا، التي تؤكد حدوث توافق، ولو على مضض، بين تيار موال لروسيا تعيش غالبيته شرقي ضفة نهر «دنايبر»، وآخر ذي اتجاه غربي تدعمه الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية ويتركز نفوذه في غربي النهر.
ومما لا شك فيه ان تصريحات يانوكوفيتش منذ ايام حول عدم اعادة النظر باتفاقات الغاز مع موسكو، تأتي في سياقها الطبيعي اذا ما علمنا أن للبعد الاقتصادي تأثيره في لعبة «عض الاصابع» بين روسيا واوكرانيا، اللتين أبرمتا اتفاقاً، يحدد أسعار الغاز الروسي بــ 230 دولاراً لكل ألف متر مكعب، دخل حيز التنفيذ في اول العام الجاري. ففي وقت تمارس الولايات المتحدة جهوداً واضحة في دعم تيار الرئيس فيكتور يوتشينكو للحد من النفوذ الروسي في كييف، تحاول أوروبا التوفيق بين استقلالية القرار المحلي عن التأثير الروسي، والحفاظ على خيط رفيع من العلاقات الودية مع موسكو، لضمان استمرار وصول الغاز الروسي الى دول الاتحاد الاوروبي، الذي يمر عبر اوكرانيا، وبخاصة ان نجاح «الثورة البرتقالية» العام 2004، الذي أزعج الكرملين، قد دفع «الدب الروسي» الى رفع اسعار الغاز ثلاثة اضعاف عن السعر الذي كان معمولاً به في عهد الرئيس السابق ليونيد كوتشما.
ولعلّ الامر الذي ساهم في زيادة تعقيد الوضع السياسي في أوكرانيا هو أن الانتخابات التشريعية، التي جرت في أيار الماضي، لم تفرز غالبية واضحة لتشكيل الحكومة من دون الدخول في تحالف واسع، وهو ما ادى الى انحسار نفوذ «الثورة البرتقالية» بقيادة يوتشينكو وصديقته رئيسة الحكومة يوليا تيموشينكو.
غير ان اتفاقاً تمّ بين يوتشينكو ويانوكوفيتش أدى الى ضمان الحفاظ على دور الغالبية الروسية. وفي الوقت نفسه، حافظ على علاقة جيدة مع الغرب، وجنَّب البلاد الدخول في حالة من الفوضى كان من الممكن ان تقود الى مواجهة على غرار ما حصل اثر الاتهامات المتبادلة بين تيار «الثورة البرتقالية» وحلفاء روسيا.
ولعلَّ ما قامت به كتلة «أوكرانيا لنا»، الموالية للرئيس يوتشينكو، بانضمامها إلى الائتلاف البرلماني الذي يشارك فيه حزب الأقاليم (الذي يتزعمه يانوكوفيتش) والحزبان الاشتراكي والشيوعي، قد جنَّب البلاد مواجهة جديدة، كان من شأنها اعادة أوكرانيا الى ساحة التجاذب بين روسيا والغرب، التي ليست لمصلحة اي من الطرفين، في ظل الشرخ الدولي الواضح في الملف النووي الايراني وانقسام اوروبا على العديد من القضايا الساخنة في العالم.
وشكّل تصريح يوتشينكو في موسكو في 24 كانون الثاني الماضي حول «شراكة استراتيجية للأبد» بين أوكرانيا وروسيا، خطوة متقدمة على طريق تحسين العلاقات. ولم يتناقض هذا التصريح مع توقيع كييف على «اعلان مبادئ» يحمي المساعى الاوكرانية الرامية الى تحقيق مزيد من التقارب مع اوروبا والى دفع اصلاحات السوق.
ويبدو ان اهتزاز التحالف الذي كان قائما بين أحزاب «الثورة البرتقالية» ويوتشينكو في أيلول 2005 بعد إقالة تيموشينكو على خلفية اتهامات بالتقصير ومزاعم بالفساد، قد صرف النظر عن اتهامات تتعلق بالفساد الاداري طالت «تيار روسيا»، وساهم بالتالي في اعادة اتجاه البوصلة نحو روسيا لكن من دون فك الارتباط بالغرب.
(الأخبار)عدد الاربعاء ١٦ آب